لا يرى الانسان بوضوح الا من خلال قلبه!

كان هناك أمير عنده زهرة غريبة رائعة ... يحبها ويعتني بها ويرويها كل يوم ثم حدث أن رحل بعيداً إلى كوكب آخر وخلال رحلته اكتشف حديقة مليئة بالزهور تأملها ... فإذا هي جميعا تشبه زهرته الغريبة على كوكبه فتأوه وأحس بتعاسة كبيرة لأنه كان يعتقد أن زهرته هي الوحيدة من نوعها في العالم ... وهاهو يشاهد خمسة آلاف زهرة من نفس النوع وفي حديقة واحدة ..!! فقال : ظننت أنني أملك زهرة فريدة في العالم بينما لا أملك سوى زهرة عادية ... وجلس يبكي على العشب.
الانسان بوضوح خلال قلبه!
عندئذ ظهر له ثعلب فحاول الامير أن يلعب معه لشعوره بالحزن والوحدة فقال له الثعلب : أنا لا أستطيع أن ألعب معك فأنا لست أليفاً ... أنت بالنسبة لي ولد صغير يشبه مئات الالوف من الصغار ولست بحاجة اليك... وأنت أيضاً لست بحاجة الي لأني بالنسبة لك لست سوى ثعلب يشبه مئات الألوف من الثعالب ... ولكن عندما تألفني سيحتاج واحدنا الآخر ..!
قال الأمير : بدأت أفهم ..!! أضاف الثعلب : لايوجد أي شيء كامل في هذا الوجود ... إنني أعيش حياة رتيبة وكل البشر متشابهون ... ولكن إذا دجنتني تدخل النور الى حياتي ... من فضلك دجني ... إذا كنت تريد صديقاً دجني ... قال الأمير ماذا يجب أن أفعل حتى أدجنك و(تألفني)..؟
رد الثعلب : يجب أن تكون صبوراً جداً... خذ لك مكاناً على العشب بعيداً عني وأنا أنظر إليك من طرف عيني لا تتكلم .... لأن الكلام يؤدي إلى سوء التفاهم ... لكن باستطاعتك أن تقترب مني يوماً بعد يوم ... ومن الأفضل أن تأتي دائماًفي نفس الوقت..!! فمثلاً إذا جئت في الساعة الرابعة بعد الظهر دائماً فإني ومنذ الساعة الثالثة أبدأ بالشعور بالسعادة... أما إذا جئت في وقت غير محدد فلن أستطيع اطلاقاً معرفة الوقت الذي أعد فيه روحي للسعادة ..!!
وهكذا دجن الأمير الصغير الثعلب ... وعندما اقتربت ساعة الرحيل ... قال الثعلب متأوهاً : سأبكي على فراقك ..!!
قال الأمير : إنها غلطتك ... أنت طلبت مني أن أدجنك ... وها أنت ستبكي ولن تربح شيئاً من التدجين ..!!
قال الثعلب : إن من يدجن يوشك أن يبكي ... ومع ذلك فقد ربحت كثيراً ... يكفيني ذكراك..!! ثم أضاف اذهب وتأمل الورود من جديد وعند عودتك لوداعي سأطلعك على سر.
ذهب الأمير الصغير وتأمل الورود وخاطبها قائلاً : أنت لا تشبهين وردتي بشيء ولا تساوين شيئاً بالنسبة اليها... أنت حاليا كثعلبي قبل التدجين ... كان واحداً من بين آلاف الثعالب ولكني جعلت منه صديقي ... وهو الآن فريد من نوعه في العالم ... أنت أيتها الازهار جميلة لكن لا تستحقين أن يضحي أحد بنفسه من أجلك لأن أحداً لم يدجنك ... إن وردتي تبدو للوهلة الاولى مشابهة لك ولكنها وحدها أهم منك جميعاً ... وليس لها مثيل في العالم ... وذلك لأنها وردتي ..!!
الانسان بوضوح خلال قلبه!
قال ذلك للأزهار ثم عاد الى الثعلب الذي قال له : وداعاً ... إليك السر الذي كلمتك عنه ... إنه غاية في البساطة :
لا يرى الانسان بوضوح الا من خلال قلبه إن العيون عمياء وعلينا أن نفتش بقلوبنا فالأمور الجوهرية لا تشاهد بواسطة العين ثم أضاف الثعلب إن الوقت الذي أضعته من أجل وردتك هو الذي جعلها بمثل هذه الأهمية لكن عليك ألا تنسى أنك مسؤول إلى الأبد عن الوردة التي دجنتها ..!!
(أنطوان دو سانت اكزوبري)